الحمل الخارجي
إن نسبة حصول الحمل المرضي هو 1%، وله عدة أسباب منها:
1 ـ التهابات البوقين:
إن هذه الالتهابات (الناتجة عن عصيّات كوخ السلّية أو عن الغونوكوك .. ) تؤدي عادة إلى حصول العقم عند المرأة. فهي تحدث تضييقاً في مجرى البوق واعوجاجات صعبة الاجتياز، قد تسمح بتوغل المني، ولكنها لا تسمح بمرور البويضة الملقحة فيتعسر سيرها وتعلق في أي مكان فيه.
2 ـ الجراحة في البوقين:
قد تسمح العملية الجراحية بإزالة الانسداد في البوق، ولكنها لا تستطيع إعادة الحيوية في خلاياه. فيحصل تلقيح البويضة، ولكنها لا تستطيع اجتياز البوق لفقدان حيوية الخلايا التي من شأنها أن تدحرج البويضة نحو الرحم.
3 ـ ازدياد طول البوق:
عندما يزداد طول البوق، يصعب اجتيازه من جانب البويضة في الوقت المحدد (4 أيام تقريباً)، مما يضطرها إلى غرس نفسها فيه.
4 ـ نقص في نمو البوق:
بحيث يعرقل سير البويضة الملقحة، فيتم الحمل المرضي في أي موضع منه.
5 ـ اعوجاجات البوق:
تؤدي هذه الاعوجاجات إلى صعوبة تدحرج البويضة الملقحة نحو الرحم، مما يؤخر تقدمها ويضطرها إلى الانغراس داخل البوق.
6 ـ تشوهات البوق الوراثية:
قد تحدث في البوق بعض الممرات الصغيرة بجوار المجرى الرئيسي، مما يؤدي إلى تغلغل البويضة فيها خطأ.
7 ـ أكياس جانبية في البوق:
تبدو هذه الأكياس على شكل جيوب، تنشأ على جوانب البوق مما يؤدي أحياناً إلى شرود البويضة الملقحة ودخولها للانغراس في تلك الأكياس الصغيرة.
8 ـ ضعف تقلص العضلات البوقية:
يلجأ البوق عادة، بواسطة تقلصات عضلاته وتموج شعيرات خلاياه المنتشرة في داخله، إلى دحرجة البويضة حتى الرحم. ولكن هذه التقلصات قد تخف وتضعف لعدة أسباب (غزارة الإفراز البروجستروني الذي يشل التقلصات الرحمية والعضلات البوقية، ورواسب الالتهاب المزمنة البوقية ووجود اللحميات التي تؤدي إلى التصاق البوق بالأنسجة المجاورة أو اضطراب في ألياف الجهاز العصبي)، مما يسبب عائقاً مهماً في تدحرج البويضة، وبالتالي يؤدي إلى الحمل الخارجي.
9 ـ الورم البطاني الرحمي (Endometriosis):
عندما تصادف البويضة الملقحة بطانة تشبه بطانة الرحم، يسهل بقاؤها فيها، وتحاول ترسيخ قواعدها. وفي هذا المرض، نجد هذه البطانة المزورة في البوق والمبيض وفي عدة مواضع أخرى.
10 ـ الأورام المختلفة:
إن الألياف البوقية الصغيرة، وكذلك الأورام الرحمية والمجاورة للرحم، تؤدي جميعها إلى عرقلة سير المني والبويضة الملقحة، وتحول بضغطها على البوق خارجياً دون وصول البويضة الملقحة إلى الرحم.
11 ـ الأسباب الوراثية في البويضة:
قد تبدأ البويضة بالانقسام سريعاً، فتتكاثر خلاياها بسرعة، مما لا يحصل عادة بصورة طبيعية. ومن المعلوم فيزيولوجياً أن أهداب البوق لا تساهم أساساً في تغذية البويضة الملقحة أثناء مرورها فيه، بل إن غذاءها يتم بواسطة طبقة خاصة من الخلايا، أو التاج المشع (Corona Radiata)، الذي يصطحبها في بادئ الأمر وكأنها مخزن التموين المؤقت.
فإذا ما حصل أي اضطراب جيني، أكان عن طريق استهلاك المؤونة بسبب سرعة التكاثر وانقسام الخلايا، أم لأي سبب آخر، اضطرت البويضة الملقحة للتوقف عن السير، والتمركز في منتصف الطريق.
12 ـ حبوب منع الحمل:
قد يؤدي استعمالها إلى احتمال حصول الحمل الخارجي، ولكن يبقى علينا تأكيد صحة هذا السبب مستقبلاً.
13 ـ اللولب:
تدل الإحصائيات على أن نسبة الحمل الخارجي تزداد من 4% إلى 8% عند النساء اللواتي يستعملن اللولب أكثر من سواهن.
14 ـ انتقال البويضة من جهة إلى أخرى:
قد تسقط البويضة أحياناً من المبيض الأيمن، وتلتقطها أهداب قناة الرحم اليسرى. ونظراً لبدء نموها وانقسام خلاياها بسبب التكاثر، اضطرت لاتخاذ بطانة هذه القناة اليسرى ملجأ لها. كما قد يحصل أن تخرج البويضة من المبيض الأيمن، فتدخل القناة اليمنى، حيث تتلقح وتتدحرج حتى الرحم، ومنه تعود إلى القناة اليسرى حيث تتمركز نهائياً.
15 ـ الأسباب المجهولة الهوية:
ما هو ثابت بالفعل، ولكه يبقى مجهول الأسباب، هو أن مرض السل يزيد من حصول الحمل الخارجي، وكذلك الالتهابات في القناة الرحمية، اللواتي لم يحملن سابقاً أو لاقين صعوبة في الحمل، واللواتي يقتربن من سن الثلاثين.
ـ مراحل تطور الحمل المرضي:
إذا ما صودف الحمل في جوف البطن (على الغشاء الصفاقي)، فقد ينجو الجنين بأعجوبة، وينمو ربما إلى أشهر متقدمة. تؤهله للعيش فيما بعد لدى استخراجه بالوسائل الجراحية. وفي هذه الحالات النادرة جداً، تلجأ المشيمة إلى اتخاذ قواعد ثابتة حيث تستطيع النمو (على غشاء الرحم الخارجي أو المثانة أو الإمعاء أو الحوض أو أسفل الكبد ... ). وعندما يحين وقت الولادة، تقام عملية قيصرية لاستخراج الجنين، ولا يحاول استخراج المشيمة لأنها عالقة بين الأنسجة، فتبقى موضعها لتفادي النزف المميت، ريثما يمتصها الجسم شيئاً فشيئاً على عدة أسابيع. ولكن، إذا لم يتمكن الجنين من الصمود (وهذا ما يحصل غالباً) فقد يموت ببطء، لاحتياجه إلى التغذية الضرورية، ثم يبدأ بالانكماش والجفاف (Lithopedion).
وإذا صودف الحمل الخارجي في المبيض فقد يقع على الغشاء الصفاقي، ويسلك منهج الحمل البطني المذكور سابقاً، أو قد يموت سريعاً بعد انزلاقه إلى ذلك الغشاء. وإذا صودف الحمل الخارجي في موضع الاهداب البوقية، ينزلق الحمل إلى جوف البطن، فيحصل حمل بطني ثانوي، وربما استطاعت المشيمة من ترسيخ قواعدها بين الأنسجة للنمو. إلا أن التطور العام يفرض هلاك الجنين بعد أيام أو أسابيع من انزلاقه إلى الأغشية الصفاقية أو المجاورة.
وإذا ما صودف الحمل الخارجي في المجل، فقد يتسع هذا الأخير في بادئ الأمر لنمو الجنين فيه، نظراً لسهولة امتداد أنسجة البوق وعرض قطره فيه. ولكن بعد مضي شهرين تقريباً، يضيق موضع النمو، وتبدأ الصعاب البيولوجية تدريجاً. ثم يهلك الجنين، قليلاً قبل انزلاقه في القناة الرحمية، أو يهلك وهو يهم بالفرار منها لصعوبة النمو في مكان ضيق قليل التغذية. مما يؤدي إلى تضخم البوق واحتوائه على كمية من الدم تتسرب إلى قعر البطن وخلف الرحم، فتتخزن أو تتجمد، مما يسبب الأدرة الدموية (Haematocele).
وإذا صودف الحمل الخارجي في البرزخ أو في الموضع الخلالي، تحصل عندئذ ((المعركة الدموية)).
فالموضع خطير لازدحام الجنين فيه من جهة، ولوجود أوعية دموية تهدد بالانفجار من جهة أخرى. ولا يمكن للبوق أن يقود الجنين إلى خارجه نحو البطن لصعوبة المرور، مما يؤدي إلى هلاك الجنين وانفجار الأوعية الدموية الخطرة على حياة الحامل إذا لم تجر لها عملية إنقاذ سريعة.
ـ الأعراض والتشخيص:
تشعر الحامل عاد بألم في أسفل بطنها، نحو اليمين أو نحو اليسار، وتظهر عندها أحياناً لطخات الدم المتكررة والخفيفة، وتبدو عليها عوارض الحمل (الوحام، انتفاخ النهدين، كثرة التبول ... ). ويدل الفحص المهبلي على وجود تورم جانبي مؤلم تحت عنق الرحم. . .
وقد تصاب الحامل أيضاً بالغيبوبة السريعة مع برودة الجسم وشحوب اللون، كل ذلك ينتج عن انفجار البوق أو زاوية الرحم، مما يؤدي إلى النزيف الداخلي وهبوط الضغط وتصبب العرق البارد.
ويتم التشخيص النهائي عادة بواسطة التصوير بالموجات الصوتية (Ultrasound) ولكن البعض يلجأ إلى طلب تحديد كمية الهرمونات المفرزة من المشيمة (H, C, G) في الفحوصات البولية. ففي حالة الحمل الخارجي، تكون كميته أقل بكثير من حال الحمل الرحمي الطبيعي. كما لا يجب أن ننسى الصورة
الرحمية الملونة (Hysterosalpingo graphy) التي من شأنها أن تصور لنا الحمل الخارجي بوضوح.
وهناك أيضاً وسيلة تعتمد على تشخيص وجود الدم في قعر البطن داخل حوض دوغلاس، وراء الرحم، حيث يتراكم ذلك الدم المتسرب من البوق. وذلك بواسطة غرز أبرة طويلة في قعر المهبل تحت عنق الرحم، يوجهها الطبيب نحو ذلك الموقع، علّه يستخرج قطرات الدم التي تشير إلى وجود الحمل الخارجي.
ولكن خير وسيلة للتأكد من الحمل الخارجي هي التصوير الصوتي (Echography) ثم المنظار الداخلي (Laparoscoy) في البطن، وأخيراً عملية شق البطن (Laparotomy).
ـ المعالجة:
عندما يكون الحمل الخارجي في عنق الرم، يعتمد العلاج على استئصال الرحم بكامله.
وإذا كان الحمل ناقياً في جوف البطن، فعلينا استخراج الجنين وعدم محاولة اقتلاع المشيمة المتمركزة بين الأنسجة كي لا نتسبب بالنزف المميت.
أما إذا كان الحمل في البوق، فيلجأ الجراح إلى استئصال البوق كلياً، وحتى إلى داخل اتصاله بالرحم في الموضع الخلالي، وذلك كي لا يحصل حمل في نقطة الاتصال. وهناك بعض الأطباء البريطانيين الذين ينصحون باقتلاع المبيض المجاور للبوق المصاب، وذلك لإجبار المبيض الآخر على إنزال البويضات شهرياً ضمن البوق غير المصاب. ولكن البعض الآخر من الأطباء لا يتفق مع هذا الرأي، وحتى منهم مَن يقول بضرورة إبقاء المبيض، لئلا تتعرض المريضة بعد سنوات إلى أعراض سن اليأس